فصل: المقدمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تغليق التعليق على صحيح البخاري




.المقدمة:

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
{رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا}.
وصل وَسلم عَلَى سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه.
الْحَمد لله الَّذِي من تعلق بِأَسْبَاب طَاعَته فقد أسْند أمره إِلَى الْعَظِيم جَلَاله وَمن انْقَطع لأبواب خدمته متمسكا بنفحات كرمه قرب اتِّصَاله وَمن انتصب لرفع يَدَيْهِ جَازِمًا بِصِحَّة رجائه مَعَ انكسار نَفسه صلح حَاله وَصَلى الله عَلَى سيدنَا مُحَمَّد الْمَشْهُور جماله الْمَعْلُوم كَمَاله وَعَلَى آل مُحَمَّد وَصَحبه الطيبين الطاهرين فصحبه خير صحب وَآله.
أما بعد فَإِن الِاشْتِغَال بِالْعلمِ خير عَاجل وثواب حَاصِل لاسيما علم الحَدِيث النَّبَوِيّ وَمَعْرِفَة صَحِيحَة من معلله وموصوله من مرسله وَلما كَانَ كتاب الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند الْمُخْتَصر من أُمُور سيدنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسننه وأيامه تأليف الإِمَام الأوحد عُمْدَة الْحفاظ تَاج الْفُقَهَاء أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم البُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وشكر سَعْيه قد اخْتصَّ بالمرتبة الْعليا وَوصف بِأَنَّهُ لَا يُوجد كتاب بعد كتاب الله مُصَنف أصح مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من جمع الْأَصَح وَالصَّحِيح وَمَا قرن بأبوابه من الْفِقْه النافع الشَّاهِد لمؤلفه بالترجيح إِلَى مَا تميز بِهِ مُؤَلفه عَن غَيره بإتقان معرفَة التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح وَكنت مِمَّن من الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بالاشتغال بِهَذَا الْعلم النافع فصرفت فِيهِ مُدَّة من الْعُمر الَّذِي لولاه لَقلت البضائع وتأملت مَا يحْتَاج إِلَيْهِ طَالب الْعلم من شرح هَذَا الْجَامِع فَوَجَدته ينْحَصر فِي ثَلَاثَة أَقسَام من غير رَابِع:
الأول: فِي شرح غَرِيب ألفاضه وضبطها وإعرابها.
وَالثَّانِي: فِي معرفَة أَحَادِيثه وتناسب أبوابه.
وَالثَّالِث: وصل الْأَحَادِيث المرفوعة والْآثَار الْمَوْقُوفَة الْمُعَلقَة فِيهِ وَمَا أشبه ذَلِك من قوله تَابعه فلَان وَرَوَاهُ فلَان وَغير ذَلِك.
فَبَان لي أَن الْحَاجة الْآن إِلَى وصل الْمُنْقَطع مِنْهُ ماسة أَن كَانَ نوعا لم يفرد وَلم يجمع ومنهلا لم يشرع فِيهِ وَلم يكرع وَإِن كَانَ صرف الزَّمَان إِلَى تَحْرِير الْقسمَيْنِ الْأَوَّلين أولَى وَأَعْلَى والمعتني بهما هُوَ الَّذِي حَاز الْقدح الْمُعَلَّى وَلَكِن ملئت مِنْهُمَا بطُون الدفاتر فَلَا يُحْصَى كم فِيهَا من حُبْلَى وَسبق إِلَى تحريرهما من قصاراي وقصارى غَيْرِي أَن ينْسَخ نَص كَلَامه فرعا وأصلا فاستخرت الله فِي جمع هَذَا الْقسم إِلَى أَن حصرته وتتبعت مَا انْقَطع مِنْهُ فَكل مَا وصلت إِلَيْهِ وصلته وسردته عَلَى تَرْتِيب الأَصْل بَابا بَابا وَذكرت من كَلَام الأَصْل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ النَّاظر وَكَانَ ذَلِك صَوَابا وغيبته عَن عُيُون النقاد إِلَى أَن أطلعته فِي أفق الْكَمَال شهابا وسميته تغليق التَّعْلِيق لِأَن أسانيده كَانَت كالأبواب المفتحة فغلقت ومتونه رُبمَا كَانَ فِيهَا اخْتِصَار فكملت واتسقت وَقد نقلت من كتاب ترجمان التراجم لِلْحَافِظِ أبي عبد الله بن رشيد مَا نَصه بعد أَن ذكر التَّعْلِيق وَهل هُوَ لَاحق بِحكم الصَّحِيح أم متقاصر عَنهُ قَالَ وَسَوَاء كَانَ مَنْسُوبا إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَو إِلَى غَيره وَأكْثر مَا وَقع للْبُخَارِيّ من ذَلِك فِي صُدُور الْأَبْوَاب وَهُوَ مفتقر إِلَى أَن يصنف فِيهِ كتاب يَخُصُّهُ تسند فِيهِ تِلْكَ المعلقات وَتبين درجتها من الصِّحَّة أَو الْحسن أَو غير ذَلِك من الدَّرَجَات مَا علمت أحدا تعرض لتصنيف فِي ذَلِك وَأَنه لمهم لاسيما لمن لَهُ عناية بِكِتَاب البُخَارِيّ انْتَهَى.
وَكَفَى بهَا شَهَادَة من هَذَا الْمُحَقق الْحَافِظ المدقق الرّحال إِلَى الْمشرق وَالْمغْرب وَلَقَد وقفت عَلَى فَوَائِد رحلته فِي سِتّ مجلدات أَتَى فِيهَا بالعجب العجاب وَلَقي فِيهَا مُسْند دمشق الْفَخر بن البُخَارِيّ ومسند مصر الْعِزّ الْحَرَّانِي ومجتهد الْعَصْر بن دَقِيق الْعِيد وأقرانهم وَرجع إِلَى بَلَده سبتة بِعلم جم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
فَأَما تَسْمِيَة هَذَا النَّوْع بِالتَّعْلِيقِ فَأول مَا وجد ذَلِك فِي عبارَة الْحَافِظ الأوحد أبي الْحسن عَلِيّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ وَتَبعهُ عَلَيْهِ من بعده فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصّلاح فِيمَا أخبرنَا أَبُو الْحسن بن أبي الْمجد عَن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الله الشَّافِعِي عَنهُ كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من تَعْلِيق الْجِدَار وَتَعْلِيق الطَّلَاق وَنَحْوه لما يشْتَرك الْجَمِيع فِيهِ من قطع الِاتِّصَال وَالله أعلم.
قلت أَخذه من تَعْلِيق الْجِدَار فِيهِ بعد وَأما أَخذه من تَعْلِيق الطَّلَاق وَغَيره فَهُوَ أقرب للسببيه لِأَنَّهُمَا معنويان.
وَأما التَّعْرِيف بِهِ فِي الْجَامِع فَهُوَ أَن يحذف من أول الْإِسْنَاد رجلا فَصَاعِدا معبرا بِصِيغَة لَا تَقْتَضِي التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ مثل قَالَ وَرَوَى وَزَاد وَذكر أَو يرْوَى وَيذكر وَيُقَال وَمَا أشبه ذَلِك من صِيغ الْجَزْم والتمريض فَإِن جزم بِهِ فَذَلِك حكم مِنْهُ بِالصِّحَّةِ إِلَى من علقه عَنهُ وَيكون النّظر إِذْ ذَاك فِيمَن أبرز من رِجَاله فَإِن كَانُوا ثِقَات فالسبب فِي تَعْلِيقه إِمَّا لتكراره أَو لِأَنَّهُ أسْند مَعْنَاهُ فِي الْبَاب وَلَو من طَرِيق أُخْرَى فنبه عَلَيْهِ بِالتَّعْلِيقِ اختصارا اَوْ ليبين سَماع أحد رُوَاته من شَيْخه إِذا كَانَ مَوْصُوفا بالتدليس أَو كَانَ مَوْقُوفا لِأَن الْمَوْقُوف لَيْسَ من مَوْضُوع الْكتاب أَو كَانَ فِي رُوَاته من لم يبلغ دَرَجَة الضَّبْط والإتقان وَإِن كَانَ ثِقَة فِي نَفسه فَلَا يرتقي إِلَى شَرط أبي عبد الله الْمُؤلف فِي الصَّحِيح فيعلق حَدِيثه تَنْبِيها عَلَيْهِ تَارَة أصلا وَتارَة فِي المتابعات.
فَهَذِهِ عدَّة أوجه من الْأَسْبَاب الحاملة لَهُ عَلَى تَعْلِيق الْإِسْنَاد المجزوم بِهِ وَسَيَأْتِي مزِيد بَيَان لذَلِك فِي أثْنَاء هَذَا التصنيف وَإِن أَتَى بِهِ بِصِيغَة التمريض فَهُوَ مشْعر بضعفه عِنْده إِلَى من علقه عَنهُ لَكِن رُبمَا كَانَ ذَلِك الضعْف خَفِيفا حَتَّى رُبمَا صَححهُ غَيره إِمَّا لعدم اطِّلَاعه عَلَى علته أَو لِأَن تِلْكَ الْعلَّة لَا تعد عِنْد هَذَا الْمُصَحح قادحة وَالنَّظَر فِيمَا أبرزه من رِجَاله كالنظر فِيمَا أبرزه من رجال الأول وَالسَّبَب فِي تَعْلِيقه بعض مَا تقدم فَهَذَا حكم جَمِيع مَا فِي الْكتاب من التَّعَالِيق إِلَّا إِذا مَا علق الحَدِيث عَن شُيُوخه الَّذين سمع مِنْهُم فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح أَن حكم قَالَ حكم عَن وَأَن ذَلِك مَحْمُول عَلَى الِاتِّصَال ثمَّ اخْتلف كَلَامه فِي مَوضِع آخر فَمثل التَّعَالِيق الَّتِي فِي البُخَارِيّ بأمثلة ذكر مِنْهَا شُيُوخ البُخَارِيّ كالقعنبي وَالْمُخْتَار الَّذِي لَا محيد عَنهُ أَن حكمه مثل غَيره من التَّعَالِيق فَإِنَّهُ وَإِن قُلْنَا يُفِيد الصِّحَّة لجزمه بِهِ فقد يحْتَمل أَنه لم يسمعهُ من شَيْخه الَّذِي علق عَنهُ بِدَلِيل أَنه علق عدَّة أَحَادِيث عَن شُيُوخه الَّذين سمع مِنْهُم ثمَّ أسندها فِي مَوضِع آخر من كِتَابه بِوَاسِطَة بَينه وَبَين من علق عَنهُ كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي موَاضعه.
وَقد رَأَيْته علق فِي تَارِيخه عَن بعض شُيُوخه شَيْئا وَصرح بِأَنَّهُ لم يسمعهُ مِنْهُ فَقَالَ فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة قَالَ إِبْرَاهِيم بن مُوسَى فِيمَا حَدثُونِي عَنهُ عَن هِشَام بْن يُوسُف فَذكر خَبرا.
فَإِن قلت هَذَا يَقْتَضِي أَن يكون البُخَارِيّ مدلسا وَلم يصفه أحد بذلك إِلَّا أَبُو عبد الله بن مندة وَذَلِكَ مَرْدُود عَلَيْهِ قلت لَا يلْزم من هَذَا الْفِعْل الاصطلاحي لَهُ أَن يُوصف بالتدليس لأَنا قد قدمنَا الْأَسْبَاب الحاملة للْبُخَارِيّ عَلَى عدم التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ فِي الْأَحَادِيث الَّتِي علقها حَتَّى لَا يَسُوقهَا مساق أصل الْكتاب فَسَوَاء عِنْده علقها عَن شَيْخه أَو شيخ شَيْخه وَسَوَاء عِنْده كَانَ سَمعهَا من هَذَا الَّذِي علقه عَنهُ أَو سَمعهَا عَنهُ بِوَاسِطَة ثمَّ إن (عَن) فِي عرف الْمُتَقَدِّمين مَحْمُولَة عَلَى السماع قبل ظُهُور المدلسين وَكَذَا لَفْظَة (قَالَ) لَكِنَّهَا لم تشتهر اصْطِلَاحا للمدلسين مثل لَفْظَة عَن فَحِينَئِذٍ لَا يلْزم من اسْتِعْمَال البُخَارِيّ لَهَا أَن يكون مدلسا وَقد صرح الْخَطِيب بِأَن لَفْظَة (قَالَ) لَا تحمل عَلَى السماع إِلَّا إِذا عرف من عَادَة الْمُحدث أَنه لَا يطلقهَا إِلَّا فِيمَا سمع.
وَقد قَرَأت عَلَى أَحْمد بن عمر اللؤْلُؤِي عَن يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن الْقُضَاعِي أَن يُوسُف بن يَعْقُوب بن المجاور أخبرهُ أَن أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ أَن أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أَنا أَبُو بكر الْخَطِيب حَدثنِي أَبُو النجيب الأرموي حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْأَصْبَهَانِيّ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْوراق ثَنَا مُحَمَّد بن حم بن ناقب البُخَارِيّ ثَنَا مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ ثَنَا مُحَمَّد بن أبي حَاتِم قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن خبر حَدِيث فَقَالَ: (يَا أَبَا فلَان أَترَانِي أدلس وَأَنا تركت عشرَة آلَاف حَدِيث لرجل لي فِيهِ نظر) يَعْنِي إِذا كَانَ يسمح بترك هَذَا الْقدر الْعَظِيم كَيفَ نشره لقدر يسير فحاشاه من التَّدْلِيس المذموم.
وَبِه إِلَى الْخَطِيب أَخْبرنِي أَبُو الْوَلِيد الدربندي ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان ثَنَا مُحَمَّد بن سعيد ثَنَا مُحَمَّد بن يُوسُف هُوَ الْفربرِي ثَنَا مُحَمَّد بن أبي حَاتِم قَالَ: سَمِعت أَبَا عَمْرو المستنير بن عَتيق الْبكْرِيّ سَمِعت رَجَاء بن مرجى يَقُول فضل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَلَى الْعلمَاء كفضل الرِّجَال عَلَى النِّسَاء.
فَأَما إِذا قَالَ البُخَارِيّ قَالَ لنا أَو قَالَ لي أَو زادنا أَو زادني أَو ذكر لنا أَو ذكر لي فَهُوَ وَإِن ألحقهُ بعض من صنف فِي الْأَطْرَاف بالتعاليق فَلَيْسَ مِنْهَا بل هُوَ مُتَّصِل صَرِيح فِي الِاتِّصَال وَإِن كَانَ أَبُو جَعْفَر بْن حمدَان قد قَالَ إِن ذَلِك عرض ومناولة وَكَذَا قَالَ ابْن مَنْدَه إن قَالَ لنا إجَازَة.
فَإِن صَحَّ مَا قَالَاه فَحكمه الِاتِّصَال أَيْضا عَلَى رَأْي الْجُمْهُور مَعَ أَن بعض الْأَئِمَّة ذكر أَن ذَلِك مِمَّا حمله عَن شَيْخه فِي المذاكرة وَالظَّاهِر أَن كل ذَلِك تحكم وَإِنَّمَا للْبُخَارِيّ مقصد فِي هَذِه الصِّيغَة وَغَيرهَا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَذِهِ الصِّيغَة إِلَّا فِي المتابعات والشواهد أَو فِي الْأَحَادِيث الْمَوْقُوفَة فقد رَأَيْته فِي كثير من الْمَوَاضِع الَّتِي يَقُول فِيهَا فِي الصَّحِيح قَالَ لنا قد سَاقهَا فِي تصانيفه بِلَفْظ حَدثنَا وَكَذَا بِالْعَكْسِ فَلَو كَانَ مثل ذَلِك عِنْده إجَازَة أَو مناولة أَو مُكَاتبَة لم يستجز إِطْلَاق حَدثنَا فِيهِ من غير بَيَان.
فَإِن اعْترض عَلَى مَا قدمنَا من حكم صيغتي الْجَزْم والتمريض بِأَن البُخَارِيّ قد أورد مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَنَد وَاحِد وَفِيه من تكلم فِيهِ وَجزم بِهِ مَعَ ذَلِك فَالْجَوَاب أَن البُخَارِيّ فِي الْمنزلَة الَّتِي رَفعه الله إِلَيْهَا فِي هَذَا الْفَنّ وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل بل مَعْدُود من أعدلهم قولا فِيهِ وَأَكْثَرهم تثبيتا فَإِذا اخْتَار تَوْثِيق رجل اخْتلف كَلَام غَيره فِي جرحه وتعديله لم يكن كَلَام غَيره حجَّة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِمَام مُجْتَهد مَعَ أَنا لَا نلتزم فِيمَا جزم بِهِ ان يكون عَلَى شَرطه فِي الْجَامِع الَّذِي هُوَ اعالي شُرُوط الصِّحَّة وَمن تَأمل هَذَا التَّخْرِيج اعياه ان يجد فِيهِ حَدِيثا مُعَلّقا مَجْزُومًا بِهِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَنَد وَاحِد ضَعِيف بل لَا يجد فِيهِ حَدِيثا من المرفوعات كَذَلِك لم يُصَحِّحهُ أحد من الْأَئِمَّة فَبَطل هَذَا الِاعْتِرَاض.
فَإِن قيل فقد أورد أَشْيَاء بِصِيغَة التمريض ثمَّ أسندها فِي مَوَاضِع من صَحِيحه أَو لم يسندها وَهِي صَحِيحَة عَلَى شَرطه أَو عَلَى شَرط غَيره؟
فَالْجَوَاب أَنه إِذا أورد مثل ذَلِك فإمَّا أَن يكون اختصر الحَدِيث الْمُعَلق أَو رَوَاهُ من حفظه بِالْمَعْنَى فَذَلِك لَا يجْزم بِهِ لمحل الْخلاف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بكلا الْأَمريْنِ هَذَا مِمَّا خرجه فِي مَوضِع آخر فِي صَحِيحه وَأما مَا لم يُخرجهُ فَيحْتَمل أَن يكون لَهُ عِلّة خُفْيَة من انْقِطَاع أَو اضْطِرَاب أَو ضعف راو وخفي ذَلِك عَلَى من صَححهُ وَكثير من أَمْثَال هَذَا يَأْتِي مُفَسرًا فِي هَذَا الْكتاب.
وَقد يُقَال إِن صِيغَة التمريض قد تسْتَعْمل فِي الصَّحِيح أَيْضا وَلَكِن الَّذِي ظهر لي أَنه لَا يعبر بِصِيغَة التمريض إِلَّا فِيمَا لَهُ عِلّة وَإِن لم تكن تِلْكَ الْعلَّة قادحة وَمن تَأمل هَذَا التَّخْرِيج عرف صِحَة مَا أَشرت إِلَيْهِ.
فَإِن قيل قد قررت أَن مَا علقه بِصِيغَة الْجَزْم يُفِيد الصِّحَّة إِلَى آخِره فَمَا الْفَائِدَة وَالْحَالة هَذِه فِي تكلفك وَصله بأسانيده؟
قلت فَائِدَة ذَلِك إِقَامَة الْبُرْهَان عَلَى مَا قَرّرته وإدحاض حجَّة الْمُخَالف لهَذِهِ الْقَاعِدَة فَإِن الْمُخَالف لَهَا إِذا رَأَى حَدِيثا علقه البُخَارِيّ وَلم يُوصل إِسْنَاده حكم عَلَيْهِ بالانقطاع لاسيما إِن كَانَ علقه عَن شُيُوخ شُيُوخه أَو عَن الطَّبَقَة الَّتِي فَوق فَإِن قَالَ لَهُ خَصمه هَذَا مُعَلّق بِصِيغَة الْجَزْم فَطلب مِنْهُ الدَّلِيل عَلَى أَنه مَوْصُول عِنْد البُخَارِيّ مَا يكون جَوَابه إِن أجَاب بِأَن الْقَاعِدَة أَنه لَا يجْزم إِلَّا بِمَا صَحَّ عِنْده قَالَ لَهُ أَنا لَا ألتزم هَذِه الْقَاعِدَة بِلَا دَلِيل لِأَنَّهَا عَلَى خلاف الأَصْل وَإِنَّمَا أحكم بِمَا ظهر لي من أَن هَذَا السِّيَاق حكمه الِانْقِطَاع وَأَن البُخَارِيّ لم يلق هَذَا الرجل الْمُعَلق عَنهُ وَأي فرق يبقي بَين هَذَا وَبَين الْمُنْقَطع وَإِن أَجَابَهُ بِأَن الإِمَام فلَانا رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي تصنيفه مُسْندًا مُتَّصِلا كَانَ ذَلِك أدعى لرجوعه وأذعن لخضوعه وَلم يبْق إِلَّا التَّسْلِيم وَفَوق كل ذِي علم عليم.
والتزمت فِي وصل هَذَا التَّعْلِيق أَن أسوق أَحَادِيثه المرفوعة وآثاره الْمَوْقُوفَة بإسنادي إِلَى من علق عَنهُ المُصَنّف لَا إِلَى غَيره إِلَّا أَن يتَكَرَّر النَّقْل من كتاب كَبِير هُوَ عِنْدِي أَو أَكْثَره بِإِسْنَاد وَاحِد إِلَى مُصَنفه فَإِنِّي أُحِيل عَلَيْهِ غَالِبا وَأجْمع أسانيدي فِي الْكتب الَّتِي أُحِيل عَلَيْهَا فِي فصل أختم بِهِ هَذَا الْمَجْمُوع يَتْلُو فصلا آخر فِي سِيَاق تَرْجَمَة الْمُؤلف ومناقبه.
فَإِن علق الحَدِيث فِي مَوضِع وأسنده نبهت عَلَيْهِ واكتفيت بِهِ إِلَّا أَن يخْتَلف لفظ الْمُعَلق وَلَفظ الْمَوْصُول فأنبه حِينَئِذٍ عَلَى من وَصله بذلك اللَّفْظ.
وَإِذا لم يسم أحدا من الروَاة بل قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلا كَذَا فإنني أخرجه من أصح طرقه إِن لم يكن عِنْده فِي مَوضِع آخر كَمَا سبق.
وَأما التَّبْوِيب فَإِنَّهُ يبوب كثيرا بِلَفْظ حَدِيث أَو أثر ويسوقه فِي ذَلِك الْبَاب مُسْندًا أَو يُورد مَعْنَاهُ أَو مَا يُنَاسِبه كَقوله فِي كتاب الْأَحْكَام بَاب الْأُمَرَاء من قُرَيْش وسَاق فِي الْبَاب حَدِيث مُعَاوِيَة: «لَا يزَال وَال من قُرَيْش» وَاللَّفْظ الأول لم يُخرجهُ وَهُوَ لفظ حَدِيث آخر.
وَقوله:

.بَاب اثْنَان فَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة:

ثمَّ سَاق فِيهِ حَدِيث: «أذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما» فَلم أتكلف لتخريج ذَلِك إِلَّا إِذا صرح فِيهِ بالرواية.
وَإِذا أخرجت الحَدِيث من مُصَنف غير متداول فَذَلِك لفائدتين:
أَحدهمَا أَن يكون من مسموعي.
وَالثَّانيَِة أَن يكون عَالِيا.
وَمَعَ ذَلِك فأنبه عَلَى من أخرجه من أَصْحَاب الْكتب الْمَشْهُورَة وَعَلَى كَيْفيَّة مَا أَخْرجُوهُ فِي الْغَالِب.
وَقد قَرَأت عَلَى شيخ الْإِسْلَام أبي حَفْص بن أبي الْفَتْح عَن الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمزي أَن يُوسُف بن يَعْقُوب بن المجاور أخبرهُ أَنا أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ أَنا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أَنا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب أَنا البرقاني يَعْنِي أَبَا بكر أَحْمد بْن مُحَمَّد بن غَالب الْفَقِيه الْحَافِظ فِيمَا أنْشد لنَفسِهِ من أَبْيَات:
أعلل نَفسِي بكتب الحَدِيث ** وأجمل فِيهِ لَهَا الْمَوْعِدَا

وأشغل نَفسِي بتصنيفه ** وتخريجه دَائِما سرمدا

وأقفوا البُخَارِيّ فِيمَا نحاه ** وصنفه جاهدا مرشدا

وَمَالِي فِيهِ سُوَى أنني ** أرَاهُ هوى صَادف المقصدا

وَأَرْجُو الثَّوَاب بكتب الصَّلَاة ** عَلَى السَّيِّد الْمُصْطَفَى أحمدا

وأسأل رَبِّي إِلَه الْعباد ** جَريا عَلَى مَا لنا عودا

قلت وَهَذِه الأبيات أطول من هَذَا وَهِي حَسَنَة فِي مَعْنَاهَا مُنَاسِب لمغزانا مغزاها فأسأل الله السَّمِيع الْقَرِيب الْإِعَانَة عَلَى إكماله مخلصا لَهُ فَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب.